lundi 25 décembre 2017

أنيسيًات.. Aneesiyyat .. بقلم الأستاذ أنيس السعيدي

** أنيسيّات : Aneesiyyat

.. في مثل هذا اليوم , قبل عامٍ مضى , أحاطتنا السماء ببركاتها , تُنزل علينا في بغداد مطرا ثقيلا وبيلا , ملأ شوارعنا الجميلة مياه ً رقراقة ً شفافة كخمر السلافة أيام قريش , بينما أنا كذلك , حلت ّ علي ّ ضيفة ً قصيدة الأحوص , شاعر من العصر الأموي , عشق أخت زوجته , تزوجت رجلا يُدعى "مطر" فأنشد قصيدة دامية أماطت اللثام عن كلفه بها حد الثمالة , منها هذان البيتان :

سلام ُ الله .. يامطرا ًعليها
وليس عليك يامطر ُالسلام ُ
فطلقّها ..فلست َ لها بكُفءٍ
وإلا ّعض ّمفرقك َ الحُسام ُ

.. إضطررت بسبب موجات المياه العطرة , حين استبدت بنا , وراحت تضرب جدران البيوت بلا رحمة , مغرقةً شوارعنا الحالمة تماما , الى شراء (جزمة) من جاري الطيب أبي زينب :
( للإنشائيات و الكهربائيات )

أتى الزمان َ بنوه ُ في شبيبته ِ
فسرّهم .. وأتيناه ُ على الهرم ِ

.. غير أن الذكرى Memory تقهقرت بي أعواما خلت , نصف قرن أو يزيد , نهار صحبت والدتي وشقيقتي نراقب مذهولين عرضا مسرحيا , واقعة الطف ّ الأليمة , أروع مارأيته في شمر بن ذي الجوشن , جزمته الرهيبة , لم يعنِ الشمرُ لي يومها سوى جزمةٍ ألبسها , من فرط إعجابي بها , إلتمست من والدتي  
( رحمها الله) :
- يمّه , اشتريلي جزمة , علمود ألبسها من تمطر الدنيا ..
.. داهم والدتي حرج ٌشديد , هذه الأم ّ الرؤوم لاتملك من حطام الدنيا شروى نقير , وثمن ٌ مثل جزمة الشمر هو المستحيل بعينه , تأمّلت ْ تفكر عميقا , قالت :
- لا , يمّه مايصير تلبس جزمة , حرام , لإن الشمر الله يلعنه كتل الحسين , چان لابسها !!
.. إنطلت علي ّ اللعبة , كأنّي اقتنعت بعذرها , مثل الذي ينشر السمسم على حبل الغسيل , أمضيت أعواما مريرة من عمري أخوض أوحال الشتاء البغيض حافي القدمين , ذات مرة فاجأت المعلم , يحتذي جزمة عصماء كلما عصفت بنا الأجواءُ مطرا ضروسا , تقيه طوابير السيول الخارقة :
- إستاد , مايصير تلبس جزمة , حرام !!
- ليش ابني ؟
- لإن الشمر اللي كتل الحسين چان لابسها ..
- منو كَلك هذا الحچي ؟
- أمّي !!
.. سرح المعلم بنظره بعيدا عني يخترق النافذة , ربما فهم مقصد أمّي الحنون , غير أن ّ الفقر يضرب حنايا الضلوع حد الخرافة :

* لاأنظر الى وطني من ثقب الباب
* بل أنظر اليه بقلبٍ مثقوب   ...  !!!

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire