أشياء ليلية...
لا معنى للّيل من دون قصّة حبّ قاتلة...عندما تتهامس أوراق شجرة الكرز في ما بينها، أشعر ببعض الدّفء الكبريتي يخترق مفاصلي التي أرهقتها تصوّراتي الشيطانية...أراها في مكان ما من هذا العالم وهي تشعل سيجارتها الفرنسية...أراها وهي تضع أناملها على صدرها بحثا عنّي...أعشق الخمرة...وأعشق هذه الظلال التي تتسكّع بحثا عنها خلف ستائر غرفتي...لا معنى للّيل من دون قصّة حبّ عنيفة تخترق الصمت كما الرّمح...عندما تنتشر العتمة بين المباني الإسمنتية...وعندما تسقط الشمس متعبة خلف أشجار الجبال التي تسيّج وجهي، أمضي إلى مكتبي...على هذا الكرسي المتهالك كانت تجلس محاولة نشر لامبالاتها على وجهها الأسمر...عندما تكون غضبى من شيء ما، كانت تبدو مثل اللبؤة الجريحة...ولكنّها كانت تصمت منتظرة أن أبادرها بالسؤال...ولم أكن أفعل...كانت تعرف أنّني ساديّ جدا معها...ولم تكن تتركني لأستمتع بهذا الشعور الحقير...كانت ترتمي بين أذرعي و كانت تحدّثني بما كان يشغلها من هموم أيامها...يحلو لها أيضا أن تتحوّل إلى راقصة...كنت أشغّل ما كانت تعشق من الموسيقى وكانت تنطلق كرائحة كعطر نفّاذ قاتل...
- أعشق الموسيقى الشعبيّة...
أراها أيضا وهي تتعرّى أمامي مثل عاهرة تعشق جسدها...كلّ تفاصيلها مغرية...كلّ ما يبعث على اشتهائها...كانت تعلم بأنّني أعشق رؤية خصرها و هو يتلوى نزقا...وكانت تتعمّد جعله يتثنّى كرصاصة تجيد الانفجار...
- ما الذي تشربانِ...؟
- أرغب بقهوة اسبرسو و لا أدري ما الذي ترغب به "............."
- أريد رؤيتك بين أيدي رجال البوليس وهم يسحلونك بالشارع.......أريد عصير برتقال " طازة" إن أمكن....
يبتسم النادل ثم يختفي ليعود حاملا على صينيته القذرة ما طلبناه...يضع القهوة أمامي ثم ينظر في وجهي مبتسما...أو متسائلا...
- مازلت ترغبين برؤية البوليس وهو يسحل "الأستاذ" سيدتي....؟
- نعم....سأكون أسعد امرأة و أنا أراه على هذه الحال...
- أنت ساديّة جدا...
أفتح نافذة مكتبي المطلة على جبل الصنوبر...انتشرت أشعة قمر فضيّة على أشجار الصّنوبر فبدت و كأنّها أمواج سوداء تحرّكها قوى شريرة...أبحث أحيانا عن أغنية من الأغاني التي كنت أستمع إليها...وعندما يعييني، كانت تجلس في حجري مبتسمة ثمّ تطلق للسانها المسموم العنان...وصفتني ذات مرّة بالأحمق الذي أصابه " ألزهيمر"...وصفتني مرة أخرى بــ " الروائي المجنون"...
- هل تعرف لماذا أحبكَ...؟
- ليس هنالك سبب للحب....فالحب حالة مثل الجنون....لا تعنيها الأسباب كثيرا...
- حبّي لك ....له سبب...محدّد...صريح...وواضح...
- ما هو هذا السّبب...؟
أقرّر بفتح زجاجة نبيذ...سوف أسكر إلى أن يستوي الدّيك و الحمار في رأسي على رأسي " النوّاسي"...أعشق تلقائيتها المفرطة...وأعشق غباءها الذي لم أر له نظيرا...عادة ما يكون لطعم الكأس الأولى مذاق الكهرباء...
- سوف تقتلك الخمرة...سوف تسحق كبدك....
أجلس إلى مكتبي...على الجانب الأيسر منه صورة لها وهي تبتسم في عهر...وغير بعيد عن صورتها نص لقصيد عنها كنت أفكّر بالاشتغال عليه...سوف أفعل عندما أنهي زجاجة النبيذ التي بين يدي...
كمال عبد الله...تونس....
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire